إذا قيل اسم عمرو بن الجموح فيجب أن يرد إلى الأذهان تلك الكلمة الخالدة لنتعلم منها كيف كان الرجال حقاً و كيف كان المصطفى عليه الصلاة والسلام يختار أصحابه و يعلمهم و يسقيهم من هديه الشريف
قصة اسلامه :حينما يرشد الابن أباه
--------------------------------------
• كان سيدنا عمرو واحدا من زعماء المدينة و سيدا من سادات بنى سلمة سبقه الى الإسلام ابنه معاذ و كان واحدا من الأنصار السبعين الذين بايعوا النبي فى البيعة الثانية و كان معاذ و صديقه معاذ بن جبل يدعوان للاسلام بين أهل المدينة فى حماسة الشباب المؤمن الجرئ
• الجدير بالذكر هنا ان معاذ بن عمرو بن الجموح هو الذي قتل ابو جهل في غزوة بدر
• و كان من عادة الناس ان يتخذ الأشراف فى بيوتهم أصناما غير تلك الكبيرة المنصوبة و التى يؤمها الناس
و اتفق معاذ بن عمرو بن الجموح مع صديقه معاذ بن جبل أن يجعلا من صنم والده سخرية .. فكانا يحملانه ليلا و يطرحانه فى حفرة يلقى فيها الناس فضلاتهم .. فيصبح عمرو فلا يجد صنمه فى مكانه فيبحث عنه حتى يجده فى تلك الحفرة فيثور و يقول : ويلكم ... من اعتدى على آلهتنا الليلة ؟ ثم يغسله و يطهره و يطيبه فإذا جاء الليل صنع المعاذان ما يفعلانه كل ليلة
حتى إذا سئم عمرو جاء بسيفه و وضعه فى عنق الصنم و قال له : إن كان فيك خير فدافع عن نفسك
فلما أصبح لم يجده مكانه .. بل وجده فى الحفرة .. و ليس وحيدا بل كان مشدودا مع كلب ميت فى حبل وثيق .. فتركه في الحفرة وقال .. والله لو كنت إلهاً ماكنت انت وكلب وسط حفرة
ثم ما لبث ان دخل في دين الله
صــفـــاتــــه
------------
• الكرم
كان سيدنا عمرو مفطورا على الجود والسخاء و لكن الإسلام زاده جودا فوضع كل ماله فى خدمة دينه و اخوانه
• القيادة
سأل الرسول عليه الصلاة والسلام جماعة من بنى سلمة - قبيلة عمرو بن الجموح - فقال : من سيدكم يا بنى سلمة
قالوا : الجد بن قيس على بخل فيه
فقال عليه الصلاة و السلام : و أى داء أدوى من البخل !! بل سيدكم الجعد الأبيض ، عمرو بن الجموح
فكانت هذه الشهادة من رسول الله عليه الصلاة والسلام تكريما لابن الجموح
فدائية و بطولة
----------------
• ربما هما الصفتان الثالثة و الرابعة و لكن يجب أن تفرد لهما فقرة مستقلة لأن له مع الرجولة و البطولة حكايات لو تعلمناها لكفى
مثلما كان سيدنا عمرو يجود بماله فى سبيل الله أراد أن يجود بروحه و حياته
و لكن كيف السبيل ؟؟
إن فى ساقه عرجا يجعله غير صالح للاشتراك فى قتال ... وله أربعة أولاد كلهم مسلمون و كلهم رجال كالأسود ، كانوا يخرجون مع الرسول عليه الصلاة والسلام في الغزو و يثابرون على فريضة الجهاد
• و لقد حاول عمرو أن يخرج فى غزوة بدر فتسلل أبناؤه إلى النبي عليه الصلاة والسلام كى يقنعه بعدم الخروج .. و فعلا .. أخبره النبي أن الإسلام يعفيه من الجهاد كفريضة و ذلك لعرجه الشديد
إلا أنه راح يلح و يرجو .. ولكن أمره الرسول بالبقاء فى المدينة
• و جاءت غزوة أحد
فذهب عمرو إلى النبي يتوسل اليه أن يأذن له و قال له : يا رسول الله إن اولادي يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد ... و و الله إنى لأرجو أن أطأ بعرجتى هذه الجنة
و أمام اصراره العظيم أذن له النبي عليه الصلاة السلام بالخروج فأخذ سلاحه و انطلق فى فرح و سرور و دعا ربه بصوت عالى .. اللهم ارزقني الشهادة و لا تردني إلى أهلي
• و التقى الجمعان يوم أحد
و انطلق عمرو بن الجموح و أبناؤه الأربعة يضربون بسيوفهم جيوش الشرك و الظلام و كان عمرو بن الجموح ينطلق وسط معمعة المعركة و مع كل انطلاقة يقطف سيفه رأسا من رؤوس الوثنية
كان يضرب الضربة بيمينه ثم يتلفت حوله فى الأفق الأعلى كأنه يتعجل قدوم الملك الذى سيقبض روحه ثم يصحبها إلى الجنة
أجل .. فلقد سأل ربه الشهادة و هو واثق أن الله سبحانه و تعالى استجاب له
صدق الله ، فصدقه الله
استشهاده و دفنه
-------------------
• جاء ما كان ينتظر .. ضربة سيف أومضت معلنةً ساعة الزفاف .. زفاف شهيد مجيد إلى جنات الخلد و فردوس الرحمن
• و قال الرسول عليه الصلاة والسلام للمسلمين : اجعلوا عبد الله بن حرام و عمرو بن الجموح في قبر واحد فإنهما كانا فى الدنيا متحابين متصافيين
• و الجدير بالذكر أن سيدنا عمرو كان صهر سيدنا عبد الله
• و دفن الحبيبان الشهيدان الصديقان في قبر واحد تحت ثرى الأرض التى تلقت جثمانيهما الطاهرين بعد أن شهدت بطولتهما الخارقة
و لا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا
----------------------------------------------
• و بعد مضي ست و أربعين سنه (46) على دفنهما نزل سيل شديد غطى أرض القبور بسبب عين ماء أجراها معاوية ... فسارع المسلمون إلى نقل رفات الشهداء فإذا هم كما وصفهم الذين اشتركوا فى نقل رفاتهم : لينة أجسادهم .. تنثنى أطرافهم
و كان جابر بن عبد الله بن حرام لا يزال حيا ، فذهب مع أهله لينقل رفات والده ( عبد الله) و زوج عمته (عمرو بن الجموح) فوجدهما فى قبريهما كأنهما نائمين لم تأكل الأرض منهم شيئا و لم تفارق شفاههما بسمة الرضا و الغبطة التى كانت يوم دُعيا للقاء الله
• أتعجبون .. ؟
كلا ، لا تعجبوا . فإن الأرواح الكبيرة التقية النقية تترك فى الأجساد التى كانت بيتا لها قدرا من المناعة يصد عنها عوامل التحلل و سطوة التراب
رضي الله عن عمرو بن الجموح وعن الصحابة اجمعين
محطات
--------
• الدعوة بالحسنى
بداية من قصة إسلامه حتى استشهاده نرى دور الشباب الواعى ... الشباب المثقف ... الشباب المؤمن حقا ... و الشباب الفاهم لدينه و الذى يعرف كيف يوقر الكبار
وجدنا سيدنا معاذ بن عمرو بن الجموح مسلما صادقا و أبوه مازال يعبد الأصنام .. و يالها من فجوة بينهما .. و لكن انظر اخي .. كيف تعامل الشاب المهذب المسلم حقا مع الموقف ..
لم نجده يسب أبيه و لا يحاول إجباره على شئ و إنما بذكاءه و بهداية الله وتوفيقه استطاع أن يأخد بيد والده من ظلمات الوثنية إلى نور الإسلام
هذا هو الشباب المسلم الذى تربى على يد رسول الله و اتبعوا نهجه و ساروا على خطاه
ارجوك أن تحاول رؤية هذا الشعاع المنير
• الرجولة
كم منا لا يستطيع أن يترك فراشه فى الشتاء من أجل ركعتين لله فى الثلث الأخير من الليل ؟ بل كم منا لا يستطيع صيام يوما لله فى الصيف ؟ بل - و للأسف - كم منا لا يستطيع أن يترك فيلما يشاهده أو موقع يتصفحه من أجل تلبية فروض الله ؟
ها هو سيدنا عمرو بن الجموح - على عرج فيه - يصر إصرار الأسود على الخروج للجهاد بينما كان يستطيع أخذ الرخصة بكل سهولة و يجلس فى بيته منتظرا العائدين من المعركة
و لكن كيف لـ " رجل " مثل ابن الجموح أن يُفَوت فريضة الجهاد بل و أراد أن يطأ الجنة بعرجته
اللهم اجمعنا بسيدنا عمرو بن الجموح فى الجنة و وفقنا و اهدنا و اشرح صدورنا كما شرحت صدره