معركة نهاوند
في معركة
نهاوند حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفاً،
اختار
أمير المؤمنين عمر لقيادة الجيوش المسلمة ( النعمان بن مقرن )
ثم كتب الى حذيفة أن يسير اليه على رأس جيش من الكوفة، وأرسل عمر
للمقاتلين كتابه يقول: ( اذا اجتمع المسلمون، فليكن كل أمير على جيشه،
وليكن أمير الجيوش جميعا ( النعمان بن مقرن )، فاذا
استشهد النعمان فليأخذ الراية حذيفة، فاذا استشهد فجرير بن عبدالله ) وهكذا استمر
يختار قواد المعركة حتى سمى منهم سبعة..
والتقى
الجيشان ونشب قتال قوي، وسقط القائد النعمان شهيداً، وقبل أن
تسقط الراية كان القائد الجديد حذيفة يرفعها
عالياً وأوصى بألا يذاع نبأ استشهاد النعمان حتى تنجلي المعركة، ودعا ( نعيم
بن
مقرن ) فجعله مكان أخيه ( النعمان ) تكريماً له، ثم هجم على الفرس صائحاً: ( الله أكبر: صدق
وعده، الله أكبر: نصر جنده ) ثم نادى المسلمين قائلاً: ( يا
أتباع محمد، ها هي ذي جنان الله تتهيأ لاستقبالكم، فلا
تطيلوا عليها الانتظار ) وانتهى القتال بهزيمة ساحقة للفرس
وكان
فتح همدان والريّ والدينور على يده، وشهد فتح
الجزيرة
ونزل نصيبين، وتزوّج فيها
اختياره
للكوفة
أنزل مناخ
المدائن بالعرب المسلمين أذى بليغاً، فكتب
عمر لسعد بن أبي وقاص كي يغادرها فوراً بعد أن يجد مكاناً ملائماً
للمسلمين،
فوكل أمر اختيار المكان لحذيفة بن اليمان ومعه سلمان بن زياد، فلما
بلغا أرض الكوفة وكانت حصباء جرداء مرملة، قال حذيفة لصاحبه: ( هنا
المنزل
ان شاء الله ) وهكذا خططت الكوفة وتحولت الى مدينة عامرة،
وشفي سقيم المسلمين وقوي ضعيفهم..
فضله
قال
الرسول
-صلى الله عليه وسلم- : ( ما من نبي قبلي إلا قد أعطيَ سبعة نُجباء
رفقاء، وأعطيتُ أنا أربعة عشر: سبعة من قريش: عليّ والحسن والحسين
وحمزة وجعفر، وأبو بكر وعمر، وسبعة من المهاجرين: عبد الله
ابن
مسعود، وسلمان وأبو ذر وحذيفة وعمار والمقداد وبلال ) رضوان الله
عليهم
قيل لرسول
الله -صلى الله عليه وسلم- : ( استخلفتَ ) فقال:
( إنّي إنْ استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي عُذّبتُم، ولكم ما
حدّثكم
به حُذيفة فصدِّقوه، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه )
قال
عمر
بن الخطاب لأصحابه: (تمنّوا ) فتمنّوا ملءَ البيتِ الذي كانوا
فيه مالاً وجواهر يُنفقونها في سبيل الله، فقال عمر: ( لكني
أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن
اليمان، فأستعملهم في طاعة الله عزّ وجلّ )
ثم
بعث بمال إلى أبي عبيدة وقال: ( انظر ما يصنع ) فقسَمَهُ،
ثم بعث بمالٍ إلى حذيفة وقال: ( انظر ما يصنع ) فقَسَمه،
فقال عمر: ( قد قُلتُ لكم ).
من
أقواله
لحذيفة بن
اليمان أقوالاً بليغة كثيرة، فقد كان واسع
الذكاء والخبرة، وكان يقول للمسلمين: ( ليس خياركم الذين يتركون
الدنيا
للآخرة، ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا، ولكن الذين يأخذون من هذه
ومن هذه )
يقول
حذيفة: ( أنا أعلم النّاس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة،
وما بي أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسرَّ
إليَّ شيئاً لم يحدِّث به غيري، وكان ذكر
الفتنَ في مجلس أنا فيه، فذكر ثلاثاً لا يذَرْنّ
شيئاً فما بقي من أهل ذلك المجلس غيري )
كان -رضي
الله عنه- يقول: ( ان الله تعالى بعث محمدا -صلى الله عليه
وسلم-فدعا الناس من الضلالة الى الهدى، ومن الكفر الى الايمان،
فاستجاب له من استجاب، فحيى بالحق من كان ميتاً، ومات
بالباطل من كان حياً، ثم ذهبت النبوة وجاءت
الخلافة على منهاجها، ثم يكون ملكاً عضوضاً، فمن الناس من ينكر بقلبه ويده
ولسانه،
أولئك استجابوا للحق، ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه، كافاً يده فهذا
ترك شعبة من الحق، ومنهم من ينكر بقلبه، كافاً يده ولسانه، فهذا ترك
شعبتين من الحق، ومنهم من لاينكر بقلبه ولا بيده ولا بلسانه،
فذلك
ميت الأحياء )
ويتحدث عن
القلوب والهدى والضلالة فيقول:
( القلوب أربعة:
قلب أغلف، فذلك قلب كافر وقلب مصفح، فذلك قلب المنافق وقلب
أجرد، فيه سراج يزهر، فذلك قلب المؤمن وقلب فيه نفاق وايمان،
فمثل الايمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب ومثل المنافق
كمثل القرحة يمدها قيح ودم، فأيهما غلب غلب )
مقتل عثمان
كان حذيفة -رضي
الله عنه- يقول: ( اللهم إنّي أبرأ إليك من دم عثمان،
والله
ما شهدتُ ولا قتلتُ ولا مالأتُ على قتله )
وفاته
لمّا نزل
بحذيفة الموت جزع جزعاً شديداً وبكى بكاءً كثيراً، فقيل: ( ما
يبكيك ؟) فقال: ( ما أبكي أسفاً على الدنيا، بل
الموت أحب إليّ، ولكنّي لا أدري على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ )
ودخل عليه
بعض أصحابه، فسألهم: ( أجئتم معكم بأكفان ؟) قالوا: ( نعم ) قال: ( أرونيها ) فوجدها
جديدة
فارهة، فابتسم وقال لهم: ( ما هذا لي بكفن، انما يكفيني لفافتان
بيضاوان ليس معهما قميص، فاني لن أترك في القبر الا قليلاً، حتى أبدل
خيراً منهما، أو شراً منهما ) ثم تمتم بكلمات: ( مرحباً
بالموت، حبيب جاء على شوق، لا أفلح من ندم ) وأسلم الروح
الطاهرة لبارئها في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين
بالمدائنش، وبعد مَقْتلِ عثمان بأربعين ليلة..